معلومات حول الكنغر
هل خطر ببالك يومًا، لا عرضًا ولا خيالًا، أن هناك كائنًا على هذه الأرض لا يهوى الخطو ولا يعرف الهرولة، بل يختار القفز! قفزٌ لا يشبه اللعب، بل يُشبه طلقة تُشقّ الهواء، وكأنّ الأرض لا تروقه، فيغادرها بأطرافه الهائلة، عابرًا المسافات بشهوة حرّة! ثم، ما أغربه! يحمل في حضنه كيانًا صغيرًا، يُطلّ من جرابٍ حيّ كأنّه نافذة أسطورة قديمة، تُفتح وتُغلق مع نبض الأم!
نعم، نحن نتحدث عن الكنغر ذاك المخلوق الذي، ببساطة، لا يشبه شيئًا مما نعرفه، ولا شيء يشبهه أصلًا. مزيج من الغرابة والجاذبية، من الجنون والسكون، وقد صار وجهًا مألوفًا لوطن بعيد اسمه أستراليا. حيث الشمس لا ترحم، والأوكالبتوس يملأ الأفق، والكوالا يتدلّى من الأغصان مثل فكرة ناعسة، هناك يقفز الكنغر... رمزًا، ظاهرة، ولغزًا لا يُملّ.
القفز ليس مجرد حركة إنه فلسفة حياة عند الكنغر!
القفز؟ بالنسبة للكنغر، ليس مجرّد فعلٍ يُؤدى عند الضرورة، ولا حركة تُمارس بتردّد. بل هو أسلوب حياة صاخب، عقيدة عضلية، تمرد واضح على قوانين السير التي نعرفها! أول ما تقع عيناك عليه، يصدمك بشكله، بقامته الغريبة، بذيله الذي يكاد يشبه صخرة تتحرك! رجلاه؟ ليستا فقط قويتين، بل كأنهما زنبركان مشحونان بالأرض والسماء معًا. ووجهه... يا لهذا الوجه! فيه شيء من براءة طفلٍ ضائع، وفيه أيضاً لمحة من سخرية مخلوق يعرف أكثر مما نعرف!
هذا الكائن لا يمشي، لا يزحف، لا يتسلّل كأغلب مخلوقات الغابة. بل هو يقفز، ولا يقفز فقط. بل يُحلّق! كأنّ الأرض لا تكفيه، وكأنّه وُلد ليرقص في الهواء، لا ليلامس التراب. كل قفزةٍ هي رحلة. كل دفعةٍ هي قرار بالخروج من المألوف. والمسافات؟ طويلة كأحلام من لا يخاف السقوط.
ثم هناك ذيله. لا تظنّه للزينة أو مجرد امتداد عشوائي، لا! هو عمود توازنه، عصا سيركه الخفية، الميزان الذي يضبط كل نقلة وكل ارتداد وكل هبوط مفاجئ. حين يقفز، يبدو كأنه آلة دقيقة مبرمجة على الطيران الأفقي! يترك الأرض، ويأخذنا معه، ولو ببصرنا، إلى عالمٍ لا يُشبه شيئًا آخر.
موطن الكنغر حيث الشمس تلسع والسهول لا تنتهي
موطن الكنغر... آه، ذاك الامتداد المترامي من الأرض، حيث تذوب الشمس على الرمال، وتلسعك الرياح الجافّة كأنها تنهرك لأنك ضيف ثقيل! أستراليا... لا ليست مجرد دولة. لا تشبه أحدًا. بل وكأنها كوكب صُنع من الغرابة والجمال والعزلة. هناك، وفي تلك السهول المتشققة، ينتظر الكنغر.
نعم، هناك يبدأ كل شيء. بين الأعشاب الذابلة، في بقع الظل النادرة التي لا تأتي بسهولة، يجلس أو يقفز أو يتأمّل، لا أحد يعرف تمامًا. الكنغر، ذاك المخلوق الذي لا يحب الزحمة، ولا الجدران. هو ابن الأرض المفتوحة، ورياح الحرية. لا يستأنس بسهولة، ولا يحبّ اللمس، ولا يفهم معنى الأقفاص.
وتخيل؟ ليس واحدًا فقط! ليس هناك "الكنغر"، بل هناك جماعة، عائلة، قبيلة كاملة. الأحمر الضخم، ذاك الذي يشبه ملاكمًا بريًّا بنظراته الحادة وصدره المنتفخ، يقف كأنّه يحرس حدود أستراليا من الغزاة المتسللين! ثم الرمادي، أكثر هدوءًا، أقل استعراضًا، لكنه لا يقلّ غرابة. وهناك ذلك الكائن الصغير الوالابي! نسخة مصغّرة، نعم، لكن لا تنخدع، فله من الخفة والدهاء ما يُربكك!
ولكلٍّ منهم شخصية واضحة، إن جاز التعبير. بعضهم خجول، يختبئ. بعضهم جسور، يقترب من الطرقات، يراقب البشر بنصف دهشة ونصف سخرية. كأنّهم يقولون: من أنتم، ولماذا جئتم إلى أرضنا؟!
إنه موطنهم... هذا العالم الغريب تحت السماء اللاهبة. حيث يقف الكنغر كالظل في منتصف الصحراء، يقفز لا ليفرّ، بل ليرقص، ليثبت أنّه خُلق ليكون هنا، في هذا المسرح الواسع.
جراب الأم غرفة حضانة متنقّلة!
تخيّل لو أن العالم كله تقهقر فجأة، وكلّ شيء صار خطرًا. تخيّل أنك طفل ضعيف، أعمى ربما، لا تملك أن تدافع عن نفسك أو حتى تصرخ. ثم؟ هناك مكان. مظلم، دافئ، ناعم، نابض بالحياة. مكان صغير يشبه كهفًا سريًا في صدر الحياة. ذلك هو جراب أنثى الكنغر. نعم، ذاك الجيب الذي نراه في الصور ليس مجرّد فتحة في البطن. لا لا، بل هو حضانة متنقلة، خيمة رعاية، غرفة عمليات ومهد وغلاف أمان، كلّها في آنٍ واحد!
حين يولد صغير الكنغر، لا يكون إلا شيئًا صغيرًا لا يُرى بالكاد. لا فراء، لا عيون، لا شيء سوى الإرادة. ويزحف، نعم، يزحف بنفسه متشبّثًا كمن يقاتل، يتسلّق ببطء حتى يدخل ذاك الجراب، ذاك العالَم السري الذي لا أحد غيره يملكه.
تتحرك الأم، تركض، تقفز، تواجه الطبيعة، تتحدى الأرض والسماء، وذاك الصغير يهتز معها. لا يسقط، لا يتألم، بل كأنّه جزء منها. ظلّ حيّ، لا يرى لكنه يحسّ، لا يسمع لكنه يعرف أنها هناك. دائمًا هناك.
ولا يتوقف العجب هنا. الجراب يتغير! نعم، كأنه كائن حيّ بحد ذاته. يتكيّف، يراقب، يُصدر الحليب المناسب تمامًا، كأنّ في داخله عقلًا صغيرًا يعرف ما يحتاجه الصغير من دون أن يُقال له شيء. وفي أحيانٍ كثيرة، تحمل الأم أكثر من صغير. واحد في الجراب، وآخر يتجوّل خارجًا، وثالث ما زال جنينًا في الانتظار. أجل، كأنها سفينة أمومة بثلاث طوابق.
هل الكنغر مسالم؟
من أول نظرة، قد تظنه ودودًا، مسالمًا، حتّى إنّك قد تتخيّله يغني أغنية هادئة بينما يقفز بخفّة تحت شمس أستراليا. لكن لا تنخدع. لا تُفرط في الثقة! الكنغر، تحديدًا الذكر، لديه وجه آخر. وجه لا يظهر إلا إذا اقتربت أكثر مما ينبغي أو تجرأت ووقفت بينه وبين شيء يريده.
لا تسأله عن أراضيه. لا تعبث بحدوده. ولا، أبدًا، تحاول التطفل على أنثاه. الذكور لا تمزح، خصوصًا حين يدخل موسم التزاوج أجواء البراري. هنا، تنقلب الرقصة إلى نزال. يقف الكنغر على ساقيه الخلفيتين، يرتكز بذيله، ثم تبدأ العرضة. لا درع، لا قفازات، لا قواعد. الضرب باليدين؟ نعم، وبقوة. كأنّه ملاكم تدرب في الخفاء. أما القدم؟ أوه، تلك القفزة مع الركلة الخلفية لا أحد يتمنّى أن يكون في طريقها.
المعركة ليست صياحًا وعراكًا عشوائيًا فقط، بل فيها استراتيجية عجيبة. راقبهم جيدًا وستشعر أنّك تشاهد مباراة ملاكمة حقيقية لكن في العراء، بين الأشجار والظلال. وأحيانًا، لا تنتهي بخاسر، بل بانسحاب الطرف الأضعف، مطأطئ الرأس، كأنّه فهم الرسالة.
في الليل، حين تصمت الأرض، يبدأ الكنغر جولته
في لحظة، كل شيء يهدأ. لا صخب، لا صياح طيور، لا خطوات أقدام. فقط همس الليل يتمدد فوق التربة اليابسة. ثم شيء يتحرك. لا ضوء يكشفه، لا صوت يُنذر بقدومه. الكنغر.
غريبٌ أمر هذا الكائن. يُقال عنه كائن نهاري، لكنّه لا يعترف بذلك دومًا. حين تبرد الأرض ويُطفأ ضجيج المدن، يخرج من الظلّ. يسير، يلتفت، يقفز خفيفًا وكأنّه يتحدث مع الريح. تجده هناك قرب طريق ترابي منسي، أو عند مفترق يربط الحقل بالعدم. أحيانًا تلمحه جامدًا، كأنه تمثال من رماد. وأحيانًا، يقفز فجأة، بسرعة لا تُفسَّر، كأنّ الذاكرة أيقظته.
وليس الأمر أسطورة. في بعض أطراف المدن الأسترالية، خاصّة تلك التي تلامس البراري، قد تراه يتسلّل قرب مواقف السيارات النائية. هل ضاع؟ لا. لا تضيع الكائنات التي تعرف الأرض أكثر من خرائط البشر.
الكنغر لا يحبّ الزوايا. الجدران ليست له. هو ابن الفضاء، عاشق للفراغ، لا يثق في المربّعات الخرسانية. ولهذا، حين ترى كنغرًا ليليًا، لا تندهش. فقط كن هادئًا. هو يراك قبل أن تراه.
هل يستطيع الكنغر السباحة؟
مهلًا... هل تعتقد أنّ الكنغر مجرّد قافز فوق اليابسة، عاشقٌ للأرض الجافة فقط؟ لا تتسرّع. لأنّ الحقيقة، صادمة قليلًا. الكنغر، يسبح! نعم، يسبح. تمامًا كما تقرأ. وربما بشكل لا تتوقّعه إطلاقًا. حين يجد نفسه أمام نهر أو بركة، لا ينهار، لا يبحث عن جسر، بل يدخل. بثقة، بهدوء غريب، يبدأ يُحرّك أطرافه الأماميّة، بأسلوب أقرب لحركة الكلاب الصغيرة، لكن دون ارتباك. وكأنّه يقول: "لا تقلق، الماء جزء من الخطة".
والأغرب؟ أنّه لا يسبح فقط من أجل العبور. لا. أحيانًا، يلجأ للماء كخدعة! تصوّر هذا المشهد: حيوان مفترس يطارده، والكنغر يركض، يركض ثم ينحرف نحو النهر، يدخل يتبعه العدو، متحمّسًا لصيد سهل. وهنا، تنقلب الطاولة.
في الماء، الكنغر يتحوّل. يقف، يثبت نفسه، ويستخدم قوّته بذكاء مدهش. بعض التقارير من سكّان أستراليا تشير إلى أنّ الكنغر قد يغرق مطارديه حرفيًا إن اضطر! لا مزاح هنا. الطبيعة لا تمزح.
الكنغر والإنسان من يُزعج الآخر؟
من يُزعج الآخر فعلًا؟ سؤال يبدو بسيط. لكنّه ليس كذلك أبدًا. في قلب الريف الأسترالي، حيث الحقول تتمدّد للأفق، والسماء تُراقب بصمت، تبدأ المعركة. الكنغر، ذاك القافز البريء ظاهريًا، يتحوّل في عيون المزارعين إلى مصدر صداع. يتسلّل ليلًا، أو حتى في وضح النهار، يدخل الحقول كأنها بيته الخاص، يتقافز بين الصفوف، يعبث بالمحاصيل. وأحيانًا؟ يُحدث فوضى لا تُطاق.
لكن مهلاً... هل هو المعتدي فعلًا؟ منذ سنوات طويلة، والبشر يقضمون من موطنه الأصلي. التمدّن يزحف ببطء، طرقٌ تُشقّ، مبانٍ ترتفع، وموائل الكنغر تتقلّص. حتى الهواء تغيّر. ثم تأتي السيارات. لتضيف مأساة أخرى. كم من كنغر فقد حياته على الطرق السريعة؟ كثير. كثير جدًا.
والصيد؟ لا تسأل. رغم القوانين، ما زال البعض يُلاحق الكناغر لأجل جلودها أو لحومها أو لمجرّد التسلية القاتلة. العلاقة بين الكنغر والإنسان، ليست دائمًا شاعرية كما تبدو على الطوابع. نعم، صوره تزيّن شعارات وطنية. نعم، تراه على طائرات، وعلى قمصان السياح، وحتى في الألعاب الصغيرة التي تُباع بالمطارات. لكن خلف تلك الصورة اللطيفة... صراع مكتوم. كأنّ الكنغر يُذكّرنا: "أنا لست رمزًا في كتاب، أنا كائن من لحم وقفز وركلات، لي حقّ أيضًا في هذه الأرض".
غموض لم يُكتشف بعد
مهما قرأت عنه. مهما رأيت من صور وفيديوهات. مهما قال العلماء، وتحدّثت الوثائقيات. يبقى هناك شيء في الكنغر يُراوغ الفهم. نظراته؟ لا تشبه نظرات أي حيوان آخر. فيها سؤال؟ فيها ذهول؟ فيها سكون قديم كأنّه وُجد قبل الوقت. يقف بثبات، لا يتكلّم، لكنك تشعر أنه يقول شيئًا. شيئًا لا يُقال بالكلمات، ولا يُفسّر بالعلم.
صمته لا يُطمئن، بل يُغريك. كأنّه يُجبرك أن تُعيد النظر، أن تتمعّن، أن تصمت مثله وتفكر. ما الذي يُخفيه هذا الكائن؟ لماذا يقف بهذه الطريقة؟ لماذا لا يُشبه أحدًا؟ تراقبه، فيتسلّل إليك شعور غريب: أن كل قفزة له تحمل معنى لا تعرفه، كأنك تقرأ نصف جملة، وتنتظر النهاية لكنها لا تأتي أبدًا.
الناس لا تُشاهد الكنغر فقط لأنّه غريب. بل لأنّهم لا يفهمونه تمامًا. وهذا ما يجعلهم يعودون إليه مرارًا. وكأنّه لغز نُحب أن يظلّ لغزًا. فما المتعة إن اكتشفناه بالكامل؟!
الخاتمة:
الكنغر لا يُروى عنه كائن، بل يُروى منه. هو سردٌ حيّ يمشي على قدمين وذيل، قصّة تُقفز لا تُقال، ومشهد طبيعي فيه من الجنون ما فيه من النظام. كل تفصيل فيه يلمع بشيء خاص: في جرابه، تدبّ أولى خفقات الحياة. في عينيه، لمعة تشبه الحنين. في قفزته عاصفة من حريّة لا تُقاس.
ليس مجرد حيوان. لا. بل رمز. علامة على أن الطبيعة ليست معقولة دائمًا، وليست متوقّعة أبدًا. شيء يذكّرك أنّ التفرّد ليس عيبًا بل ميزة. وإن مرّ بك طيفه، في عتمة سهول أستراليا، أو في طرف مشهد بعيد. لا تُدر ظهرك. لا تسأل كثيرًا. فقط تتبّعه. ربّما القفزة التي تسمعها، ليست مجرد صوت. ربّما هي دعوة. وربّما هي بداية حكايتك معه.